-
"الأسد" وحلفاؤه.. نزع الصفة الأبدية عن سلطة دمشق
ثمة واقع يبعث بملل في سوريا على خلفية تكراريته في كافة صيغه المأساوية والهزلية، وقد أمسى النزاع بين الأطراف الوظيفية يفضي إلى وقائع وأحداث ومآلات شبه متوقعة تماماً. هذا ليس جموداً بقدر كونه إدارة منحطة لإرادات خارجية. فالسوريون بات كل منهم بمقدوره التنبؤ بالغارات الجوية المنتظمة أو القصف المتكرر على مناطق بعينها خلال عشرة أعوام مضت.
وما بين القصف التقليدي والمتكرر في مناطق النظام، وتحديداً الخاضعة لنفوذ إيران وقوات الحرس الثوري، أو ما يحدث في شمال شرق سوريا، يكاد الوضع يؤكد على مضمون واحد ويبعث برسالة مفادها ارتهان قوى الأمر الواقع في مناطق متباينة بسوريا. فتركيا التي تواصل اعتداءاتها بالطائرات المسيرة على مناطق الإدارة الذاتية تبدو مرتهنة بمخرجات أستانا التي جعلتها تلتحق بالمسار الذي دشنته روسيا وإيران، ومن ثم، لم يعد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لطالما دعم المعارضة وعمد إلى تسليحها يواصل تصريحاته بشأن عزل الأسد، وتحقيق قرار الأمم المتحدة (2254)، بل إنه يتحرى مؤخراً الوصول لتفاهمات ومصالحة مع بشار الأسد الذي تتقلص مساحات وجوده الرسمي في حال ظهر مرة مع أطراف روسية أو إيرانية.
ضمنياً، هذا وضع "شبه مستقر" لا يمثل سوى استقراراً لبيئة المكاسب التي تبحث عنها موسكو وطهران مع آخرين للحصول على استحقاقاتها السياسية والعسكرية والديمغرافية في سوريا، وذلك بالتزامن مع غياب المخاوف الأمريكية بشأن انبعاثات داعش، وكذا غياب كامل للإرادة السورية على كافة الأصعدة.
موقع بشار الأسد (الرئيس الشكلي لسوريا) مع مواطنيه يتلاشى مع تقدم حلفائه والمتواطئين معه، وذلك كان واضحاً من خلال حرصه على الاعتراف بالجمهوريات الانفصالية في أوكرانيا، بناءً على طلب حليفه الروسي. كان ذلك أبرز مثال نموذجي على هذا الولاء المفرط. في غضون ذلك، تتمتع المعارضة المناهضة للنظام السوري في الشمال الغربي بتاريخ من الاعتماد على تركيا في العمق الاستراتيجي والخدمات اللوجستية، وفي السنوات الأخيرة الحماية العسكرية والدبلوماسية، بجانب الارتهان لها لتنفيذ أجنداتها في سوريا بعيداً عن القضية الوطنية التي خرج من أجلها السوريون. أما في الشمال الشرقي، تحملت قوات سوريا الديمقراطية حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان الرئيس ترامب سينسحب وقتذاك، بالتزامن مع قناعاتها بأنها لن تواجه معضلة وجودية جديدة محتملة.
هذه الصورة المشتتة للجغرافيا السياسية في سوريا، تتحمل تركيا جزءاً كبيراً منها بعد روسيا وإيران، فالحديث اليوم يدار عن تقارب بين أنقرة ودمشق واتفاقيات أمنية وسياسية ترفرف في الأجواء. قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في وقت سابق من هذا الشهر، إن تركيا ليس لديها شروط مسبقة للحوار مع سوريا، لكن يجب أن تركز أية محادثات في الأمن على حدودهما. إذاً لا شروط لتركيا مع الرئيس الذي أحرق بلاده ودمرها، وقتل وشرد مواطنيه، تحت أنظار الجميع الذين كانوا في وقت ما ينددون بجرائمه، لتتغير الجغرافيا السياسية من جديد ويسمح له بالعودة إلى الحظيرة كما يبدو، مع مجموعة من العواقب لأولئك الذين سيستمرون في معارضته كما تتحدث التسريبات.
هذا الأسبوع كان محرجاً بشكل مغاير للمعارضة السورية التي أجبرت على نفي تقرير صادر عن وكالة أنباء تسنيم الإيرانية، وهي وكالة شبه رسمية، الذي زعم أن المعارضة السورية طُلب منها مغادرة تركيا خلال اجتماع مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. فيما وصف مقال لـ CNN مصير ملايين اللاجئين السوريين في تركيا بأنه معلق وسط مخاوف من أن يصبحوا بيادق في السياسة المتغيرة للبلاد. حيث كان قد كشف أردوغان هذا الشهر أن بوتين طلب منه خلال محادثاتهما في سوتشي في 5 أغسطس التعاون بشكل أوثق مع الأسد في الأمور الأمنية، وهو أمر ذكر الرئيس التركي أنه كان يفعله بالفعل على مستوى الاتصالات الاستخباراتية.
وجهات نظر كثيرة ومحرجة خرجت للعلن، لتروّج لرؤية تركيا الجديدة بنوايا حسنة ولتتحدث عن النظر بشكل متفائل للأحداث بأن المساعي (الحميدة) لتركيا ونفوذها الدبلوماسي مع الجهات الفاعلة في الصراع يمكن أن يساعد في تحديد مسار نحو محادثات سلام فعالة بين المعارضة السورية والنظام السوري. حيث في السنوات السابقة فشلت جهود الأمم المتحدة في تحقيق مشاركة حقيقية من النظام على هذه الجبهة، وكما لاحظنا أن عمليات الإصلاح الدستوري، على وجه الخصوص، كانت تمثيلية هشّة، في حين أن الميليشيات التابعة لتركيا ومنصاتها السياسية تمارس الإرهاب والقتل والتغيير الديمغرافي في الشمال السوري تحت اسم المناطق المحررة أو الآمنة. لكن ما هو الجديد إن كان القتل ما زال مستمراً من قبل تلك المعارضة، وما زال الأسد الذي دمر بلاده هو الناجي الأول، والذي يترأس تلك المفاوضات والمحادثات ضمنياً؟
هذا ويبرر قسمٌ آخر يعتبر نفسه "ثورياً أو وطنياً" أكثر منهم، بأنه إذا فقدت المعارضة السورية داعمها الإقليمي الرئيس، فإن مستقبلهم يبدو قاتماً. وسبق أن ألمح جاويش أوغلو إلى أولويات تركيا الذي أوضح أن البلاد
بحاجة إلى تطهيرها من الإرهابيين.. مركزاً على أنه يجب أن يكون الناس قادرين على العودة.
أردوغان والأسد لهما تاريخ أطول من تاريخ معظم قادة العالم. في عام 2009، استضاف أردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك، بشار الأسد لقضاء عطلة عائلية في منتجع بودروم على بحر إيجة، حيث ارتفعت العلاقات بين تركيا وسوريا إلى آفاق جديدة. ازدهرت العلاقات التجارية والدبلوماسية في ذلك الوقت، الأمر الذي أدركه أردوغان بشكل جيد، واتسمت الحدود بين البلدين بمعابر التجارة الحرة التي سمحت بالحركة السريعة للأشخاص والمركبات مقابل الحواجز الأمنية باهظة الثمن التي نراها هناك اليوم.
ومع ذلك، توترت هذه العلاقة عندما بدأت الثورة السورية، ووصف حينها الرئيس التركي الأسد بأنه "إرهابي متورط في إرهاب الدولة"، مع دعمه المفتوح للمعارضة السورية العسكرية وتشكيله للفرق العسكرية والتسهيل
لدخول إرهابيين من داعش إلى المناطق الكردية، إلا أن المصالح تغيرت، وعاد أردوغان من جديد يروّج للتحالف مع من وصفه بالإرهابي لتحقيق مصالحه الخاصة، وذلك يعني أن ما يحدث للمعارضة السورية وملايين السوريين داخل تركيا يعتمد على رؤية أنقرة الاستراتيجية لهم، وتلك الرؤية باتت واضحة برأيي، فقط بات الأمر بشكل أكثر علنية من ناحية الاستثمار بقضايا السوريين والسوريين أنفسهم.
يقول الدبلوماسي الأمريكي الشهير هنري كيسنجر بأن "أمريكا ليس لديها أصدقاء أو أعداء دائمين، فقط مصالح". إن الجغرافيا السياسية في هذه اللحظة، مع وجود أعين العالم بعيدة عن الصراع السوري المجمد تذهب بالسوريين في النظر بشكل أعمق بتلك المقولة وتعميمها على كافة الأطراف المشاركة في تدمير سوريا، حيث كانت تركيا وروسيا وإيران الأعداء الدائمين والمستمرين للسوريين ولقضاياهم المحقة في تلك البلاد التي رهنها الأسد للعالم.
ليفانت - شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!